فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والذى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا}.
فيه مسائل:
المسألة الأولى:
في هذه الآية قولان:
القول الأول: وهو المشهور أن هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر بالأرض الخيرة والأرض السبخة، وشبه نزول القرآن بنزول المطر، فشبه المؤمن بالأرض الخيرة التي نزل عليها المطر فيحصل فيها أنواع الأزهار والثمار، وأما الأرض السبخة فهي وإن نزل المطر عليها لم يحصل فيها من النبات إلا النزر القليل، فكذلك الروح الطاهرة النقية عن شوائب الجهل والأخلاق الذميمة إذا اتصل به نور القرآن ظهرت فيه أنواع من الطاعات والمعارف والأخلاق الحميدة، والروح الخبيثة الكدرة وإن اتصل به نور القرآن لم يظهر فيه من المعارف والأخلاق الحميدة إلا القليل.
والقول الثاني: أنه ليس المراد من الآية تمثيل المؤمن والكافر، وإنما المراد أن الأرض السبخة يقل نفعها وثمرتها، ومع ذلك فإن صاحبها لا يهمل أمرها بل يتعب نفسه في إصلاحها طمعًا منه في تحصيل ما يليق بها من المنفعة.
فمن طلب هذا النفع اليسير بالمشقة العظيمة، فلأن يطلب النفع العظيم الموعود به في الدار الآخرة بالمشقة التي لابد من تحملها في أداء الطاعات، كان ذلك أولى.
المسألة الثانية:
هذه الآية دالة على أن السعيد لا ينقلب شقيًا وبالعكس، وذلك لأنها دلت على أن الأرواح قسمان: منها ما تكون في أصل جوهرها طاهرة نقية مستعدة لأن تعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به، ومنها ما تكون في أصل جوهرها غليظة كدرة بطيئة القبول للمعارف الحقيقية، والأخلاق الفاضلة، كما أن الأراضي منها ما تكون سبخة فاسدة، وكما أنه لا يمكن أن يتولد في الأراضي السبخة تلك الأزهار والثمار التي تتولد في الأرض الخيرة، فكذلك لا يمكن أن يظهر في النفس البليدة والكدرة الغليطة من المعارف اليقينية والأخلاق الفاضلة مثل ما يظهر في النفس الطاهرة الصافية، ومما يقوي هذا الكلام أنا نرى النفوس مختلفة في هذه الصفات فبعضها مجبولة على حب عالم الصفاء والإلهيات منصرفة عن اللذات الجسمانية كما قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرسول تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق} [المائدة: 83] ومنها قاسية شديدة القسوة والنفرة عن قبول هذه المعاني كما قال: {فَهِىَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74] ومنها ما تكون شديدة الميل إلى قضاء الشهوة متباعدة عن أحوال الغضب، ومنها ما تكون شديدة الميل إلى إمضاء الغضب، وتكون متباعدة عن أعمال الشهوة بل نقول: من النفوس ما تكون عظيمة الرغبة في المال دون الجاه، ومنهم من يكون بالعكس، والراغبون في طلب المال منهم من يكون عظيم الرغبة في العقار وتفضل رغبته في النقود، ومنهم من تعظم رغبته في تحصيل النقود ولا يرغب في الضياع والعقار، وإذا تأملت في هذا النوع من الاعتبار تيقنت أن أحوال النفوس مختلفة في هذه الأحوال اختلافًا جوهريًا ذاتيًا لا يمكن إزالته ولا تبديله، وإذا كان كذلك امتنع من النفس الغليظة الجاهلة المائلة بالطبع إلى أفعال الفجور أن تصير نفسًا مشرقة بالمعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة، ولما ثبت هذا كان تكليف هذه النفس بتلك المعارف اليقينية والأخلاق الفاضلة جاريًا مجرى تكليف ما لا يطاق فثبت بهذا البيان: أن السعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من شقي في بطن أمه، وأن النفس الطاهرة يخرج نباتها من المعارف اليقينية والأخلاق الفاضلة بإذن ربها، والنفس الخبيثة لا يخرج نباتها إلا نكدًا قليل الفائدة والخير، كثير الفضول والشر.
والوجه الثاني: من الاستدلال بهذه الآية في هذه المسألة قوله تعالى: {بِإِذْنِ رَبّهِ} وذلك يدل على أن كل ما يعمله المؤمن من خير وطاعة لا يكون إلا بتوفيق الله تعالى.
المسألة الثالثة:
قرئ {يَخْرُجُ نَبَاتُهُ} أي يخرجه البلد وينبته.
أما قوله تعالى: {والذى خَبُثَ} قال الفراء: يقال: خبث الشيء يخبث خبثًا وخباثة.
وقوله: {إِلاَّ نَكِدًا} النكد: العسر الممتنع من إعطاء الخير على جهة البخل.
وقال الليث: النكد: الشؤم واللؤم وقلة العطاء، ورجل أنكد ونكد قال:
وأعط ما أعطيته طيبا ** لا خير في المنكود والناكد

إذا عرفت هذا فنقول: قوله: {والذى خَبُثَ} صفة للبلد ومعناه والبلد الخبيث لا يخرج نباته إلا نكدًا، فحذف المضاف الذي هو النبات، وأقيم المضاف إليه الذي هو الراجع إلى ذلك البلد مقامه، إلا أنه كان مجرورًا بارزًا فانقلب مرفوعًا مستكنًا لوقوعه موقع الفاعل، أو يقدر ونبات الذي خبث، وقرئ {نَكِدًا} بفتح الكاف على المصدر أي ذا نكد.
ثم قال تعالى: {كذلك نُصَرِّفُ الآيات لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} قرئ {يُصْرَفْ} أي يصرفها الله، وإنما ختم هذه الآية بقوله: {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} لأن الذي سبق ذكره هو أنه تعالى يحرك الرياح اللطيفة النافعة ويجعلها سببًا لنزول المطر الذي هو الرحمة ويجعل تلك الرياح والأمطار سببًا لحدوث أنواع النبات النافعة اللطيفة اللذيدة، فهذا من أحد الوجهين ذكر الدليل الدال على وجود الصانع وعلمه وقدرته وحكمته، ومن الوجه الثاني تنبيه على إيصال هذه النعمة العظيمة إلى العباد، فلا جرم كانت من حيث إنها دلائل على وجود الصانع وصفاته آيات ومن حيث أنها نعم يجب شكرها، فلا جرم قال: {نُصَرِّفُ الآيات لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} وإنما خص كونها آيات بالقوم الشاكرين لأنهم هم المنتفعون بها، فهو كقوله: {هُدًى لّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم ضرب مثلًا للمؤمنين والكافرين فقال: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بَإِذْنِ رَبِّهِ} يعني: المكان العذب الزّكي اللين من الأرض اللينة يخرج نباته إذا أمطرت فينتفع به، كذلك المؤمن يسمع الموعظة فتدخل في قلبه فينتفع بها وينفعه القرآن كما ينفع المطر الأرض الطيبة.
{وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إلاَّ نَكِدًا} يعني: الأرض السبخة لا يخرج نباتها إلا من كد وعناء، فكذلك الكافر لا يسمع الموعظة ولا ينتفع بها، ولا يتكلم بالإيمان، ولا يعمل بالطاعة إلا كرهًا لغير وجه الله.
ثم قال: {كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} أي هكذا نبيّن الآيات والعلامات والأمثال لمن آمن وشكر رب هذه النعم ووحّده. اهـ.

.قال الثعلبي:

{والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ}
هذا مثل ضربه الله المؤمن والكافر فمثل المؤمن مثل البلد الطيب الزاكي يخرج نباته ريعة بإذن الله، فمثل الكافر كمثل الأرض الصبخة الخبيثة التي لا يُخرج نباتها [وغلّتها] {إِلاَّ نَكِدًا} [أي عسيرًا قليلًا بعناء] ومشقّة وقرأ أبو جعفر: [نكدًا] بفتح الكاف أي النكد {كذلك نُصَرِّفُ الآيات} بينهما {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ} يعني طيب التربة.
{يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} يعني يخرج نباته حسنًا جيدًا.
{وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا} فيه قولان:
أحدهما: أن النكد القليل الذي لا ينتفع به، قاله السدي.
والثاني: أنه العسر بشدته المانع من خيره، قال الشاعر:
وَأَعْطِ مَا أَعَطْيتَهُ طَيِّبًا ** لاَ خَيْرَ فِي الْمَنْكُودِ وَالنَّاكِد

وهذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، فجعل المؤمن كالأرض الطيبة والكافر كالأرض الخبيثة السبخة، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والسدي. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباته}
آية متممة للمعنى الأول في الآية قبلها معرفة بعادة الله تعالى في إنبات الأرضين، فمن أراد أن يجعلها مثالًا لقلب المؤمن وقلب الكافر فذلك كله مرتب، لكن ألفاظ الآية لا تقتضي أن المثال قصد بذلك والتمثيل بذلك حكاه الطبري عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي، وقال النحاس: هو مثال للفهيم وللبليد، و{الطيب}: هو الجيد التراب الكريم الأرض، وخص بإذن ربه مدحًا وتشريفًا، وهذا كما تقول لمن تغض منه، أنت كما شاء الله فهي عبارة تعطي مبالغة في مدح أو ذم ومن هذا قوله تعالى: {فله ما سلف وأمره إلى الله} [البقرة: 275] على بعض التأويلات، والخبيث هو السباخ ونحوهما من رديء الأرض، وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وعيسى بن عمر {يُخْرِج نباتَه} بضم الياء وكسر الراء ونصب التاء، والنكد العسير القليل، ومنه قول الشاعر: [المنسرح]
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن ** أعطيت أعطيت تافهًا نكدا

ونكد الرجل إذا سأل إلحافًا وأخجل ومنه قول الشاعر: [السريع]
وأعط ما أعطيته طيبًا ** لا خير في المنكود والناكد

وقرأ جمهور الناس وجميع السبعة {نَكِدًا} بفتح النون وكسر الكاف، وقرأ طلحة بن مصرف {نَكْدًا} بتخفيف الكاف وفتح النون، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع {نَكَدًا} بفتح النون والكاف، وقال الزجّاج: وهي قراءة أهل المدينة {كذلك نصرف الآيات} أي هكذا نبين الأمور، و{يشكرون} معناه يؤمنون ويثنون بآلاء الله. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {والبلد الطيب} يعني: الأرضَ الطيبةَ التربة {يخرج نباته} وقرأ ابن أبي عبلة: {يُخرِج} بضم الياء وكسر الراء، {نباتَه} بنصب التاء، {والذي خبُث لا يخرج} كذلك أيضًا.
وقد روى أبان عن عاصم: {لا يُخرِج} بضم الياء وكسر الراء.
والمراد بالذي خبث: الأرض السبخة.
قوله تعالى: {إلا نكدا} قرأ الجمهور: بفتح النون وكسر الكاف.
وقرأ أبو جعفر: {نَكَدًا} بفتح الكاف.
وقرأ مجاهد، وقتادة، وابن محيصن: {نَكْدًا} باسكان الكاف.
قال أبو عبيدة: قليلًا عسيرًا في شدة، وأنشد:
لا تُنْجِزُ الوَعْدَ إنْ وَعَدْتَ وإنْ ** أعْطَيْتَ أعْطَيْتَ تَافِهاَ نَكِدًا

قال المفسرون: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر؛ فالمؤمن إذا سمع القرآن وعقله انتفع به وبان أثره عليه، فشُبِّه بالبلد الطيب الذي يُمرع ويُخصب ويحسن أثر المطر عليه؛ وعكسه الكافر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والذي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا} أي التُّربة الطيبة.
والخَبِيثُ الذي في تربته حجارة أو شوك؛ عن الحسن.
وقيل: معناه التشبيه، شبَّه تعالى السريعَ الفهم بالبلد الطيب، والبَلِيدَ بالذي خَبُثَ؛ عن النحاس.
وقيل: هذا مثل للقلوب؛ فقلب يقبل الوعظ والذِّكْرى، وقلب فاسق يَنْبُو عن ذلك؛ قاله الحسن أيضًا.
وقال قتادة: مَثَلُ للمؤمن يعمل محتسِبًا متطوّعًا، والمنافق غير محتسب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذِي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظمًا سمينًا أو مِرْمَاتَيْن حسَنَتَين لشهد العِشاء» {نَكِدًا} نصب على الحال، وهو العَسِر الممتنع من إعطاء الخير.
وهذا تمثيل.
قال مجاهد: يعني: أن في بني آدم الطيب والخبيث.
وقرأ طلحة {إلاَّ نَكْدًا} حذف الكسرة لثقلها.
وقرأ ابن القَعْقَعاع {نَكَدًا} بفتح الكاف، فهو مصدر بمعنى ذا نكد.
كما قال:
فإنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وإدْبَارِ

وقيل: {نَكِدًا} بنصب الكاف وخفضها بمعنًى؛ كالدّنَف والدّنِف، لغتان.
{كذلك نُصَرِّفُ الآيات} أي كما صرفنا من الآيات، وهي الحجج والدّلالات، في إبطال الشرك؛ كذلك نصرف الآيات في كل ما يحتاج إليه الناس.
{لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} وخصّ الشاكرين لأنهم المنتفعون بذلك. اهـ.